النفط و البدائل الأخرى ... الجزء الثاني

النفط و البدائل الأخرى ... الجزء الثاني

تحدثنا في الجزء الأول من هذه السلسلة عن نظرتنا المستقبلية للطلب العالمي للطاقة بشكل عام, ليكون إستنتاجنا من أنه في إزدياد ملحوظ, باقيل على نفس الوتيرة للعقود القادمة, طالما هناك إزدياد في معدلات نمو الدخل القومي للدول بشكل عام, والأسواق الناشئة بشكل خاص.  تفاصيل المقالة موجودة بالرابط اللذي بالأسفل:

النفط و البدائل الأخرى ... الجزء الأول
الإعتماد على #النفط سوف يزيد على خلاف المتعارف عليه... التفاصيل

و هنا سنبدأ المقارنة بين المصادر المختلفة من عاومل مختلفة لتكون لدينا صورة أوضح لمصير النفط و الغاز في المستقبل و التهديد القادم من بدائل الطاقة

‌‌
هناك عدة مشؤرات كمية تساعدنا في إحتساب و مقارنة مصادر الطاقة المختلفة. سأعرف عن كل واحدة فيهم, ثم يليها توضيح المقارنة:

  1. الكثافة (Power Density): كمية الطاقة الممكن إنتاجها (تقاس بالوات أو الجول) في كل وحدة مساحية (سم مربع) أو كتلية (كيلوجرام). كل ما الرقم أعلى كل ما يعني كمية الطاقة المخزنة لكل سم مربع أو كجم
  2. العائد من الإستثمار الطاقي (Energy Return on Investment - EROI): و هي نسبة الطاقة الخارجة خلال العمر الإفتراضي للمصدر تقسيم الطاقة المطلوب إدخالها لإنتاج الطاقة. فإذا كان الناتج 1 على سبيل المثال فيعني هذا أن الإستثمار في مصدر لم يكن له أي عائد (مثال: أستهلكنا 500 جول و أنتجنا بالمقابل 500 جول). و كلما كان الرقم أعلى يعني أن كمية الطاقة الناتجة أعلى من الطاقة المستثمرة, يعني الإستثمار يكون مجدي أكثر.

‌‌

و من هنا سنحلل مصادر الطاقة الشائعة و نقارن بينهم عن طريق المعايير  المذكورة سابقا

أولا. الكتل البيولوجية (Biomass Energy):

 و هي تشمل أي مصدر عضوي بيولوجي يولد طاقة من حرقه, مثل زيت الذرة, مخلفات الأبقار, الخشب, الخ. هي تعتبر أول مصدر مكتشف للطاقة و إستمر الاعتماد الاساسي لها من بداية الخلق و حتى القرن التاسع عشر.  في معيار الكثافة (Power Density) فهي تعتبر الأسوأ, حيث أن مصادر الوقود الأحفوري لديه كثافة أعلى بأكثر من 500 ضعف على الأقل. نفس المبدأ ينطبق على العائد الإستثماري الطاقي حيث يصل تقريبا إلى 4 (أي أن كل 1 جول نحتاجها للإنتاج تعطينا 4 جول طاقة ناتجة).

ثانيا. الوقود الأحفوري (فحم, نفط, غاز):

 إكتشاف الوقود الأحفوري كان من أساسيات النهضة البشرية, إبتداءا من الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر, إلى ما نشهده اليوم في حياتنا من وسائل نقل, ترفيه, خدمات, أدوات و غيرها. و السبب الأساسي في مساعدتها على مثل هذه الطفرة تأتي من كثافة الطاقة و عائد الإستثمار العالي للوقود الأحفوري. فالكثافة كما ذكرنا تكون 500 ضعف البيولوجي, و العائد الإستثماري للوقود الأحفوري يصل من 28-30.

‌‌
عندما نتحدث عن العائد الإستثماري للنفط, يجب الذكر أنه هو التحدي الأساسي للحفاظ عليه أو الزيادة منه. فعندما أكنشف النفط, كان العائد يصل إلى 100 تقريبا, وذلك نظرا لسهولة أستخراجه من المكامن القريبة من سطح الأرض, ولكن من الوقت أصبح من الصعب أكثر إستخراجه, حيث أصحت مكامن الإستخراج أعمق, و طرق الإنتاج أصعب. وهذا يكون سباق بين حاجة الإستخراج و التطور التكنولوجي اللذي يساعد على الإستخراج بتكاليف أقل. عند بداية الألفية الجديدة, وصل العائد لأقل مستوياته (تقريبا 15), ثم عاد للإرتفاع مجددا حتو وصل للمستويات الحالية.

‌‌

‌‌

ما يميز النفط و الغاز عن أي مصدر اخر للطاقة, هي الصناعات المتعددة اللتي تأتي من المشتقات النفطية, بعدم وجود أي بديل لهم حتى يومنا هذا.  تقريبا 50% من برميل النفط يكرر للوقود, والنصف الاخر للصناعات. القائمة بالأسفل مثال بسيط لأكثر من 600 منتج يعتمد أساسا على المشتقات النفطية.

‌‌
ثالثا. الطاقة الهوائية (Wind Turbine Energy) و الطاقة الشمسية (Solar Energy) :

على الرغم من تفوق كلاهما على الطاقة البيولوجية من حيث الكثافة, إلا كثافة الطاقة لكل منهما أقل بكثير عندما نقارنهم بالوقود الأحفوري (4 أضعاف الطاقة الشمسية و 22 ضعف طاقة الرياح). و العائد الإستثماري لكليهما تقريبا نصف الوقود الأحفوري (على الرغم أن الرقم قد يختلف جدا جغرافيا, فالطاقة الشمسية في أوروبا مثلا لا تقارن بمكان مثل المملكة العربية السعودية).  ولكن هناك تفاصيل أكثر من الكثافة و العائد الإستثماري الذي يجب تغطيتهم بالنقاط الاتية:

  • شفرات المراوح الهوائية مصنعة من مشتقات نفطية.
  • المصانع اللتي تبني و تصنع و تركب هذه المحركات تعتمد على الوقود الأحفوري
  • المراوج الهوائية مصنعة من البلاستيك بالأساس, و لا يمكن إعادة إستعمالهم لنفس الغرض (كل شفرة هوائية حجمها بحجم جناح طائرة). فينتهي بهم الأمر في مدافن أرضية, وهذه أزمة بيئية أخرى (أمريكا تقدر بدفن حوالي 8000 شفرة سنويا و أوروبا 3800 شفرة)

‌‌

  • الإنتشار و الإعتماد الأكبر للطاقة الشمسية أتى من الإنخفاض الشديد لتكلفة تصنيع الألواح الشمسية ….. لماذا ؟ لأن 70% من الطاقة التصنيعية أصبحت الان في الصين, و الصين تعتمد على مزودين رئيسيين لتخفيض التكلفة هما
  • الفحم كمصدر طاقة في عمليات التصنيع
  • العمالة الرخيصة (هناك تقارير تشير إلى لجوئهم لمستعمرات العملة في إقليم الأغور مما هو ضد الحقوق الإنسانية)‌‌
  • مشكلة إعادة التدوير موجودة أيضا في الألواح الشمسية (العمر الإفتراضي لهم تقريبا 20 سنة), فينتهي أمرهم في مدافن أرضية, مسببة أضرار بيئية.

‌‌

  • أخيرا, و كما ذكرنا سابقا. طاقة الهواء و الطاقة الشمسية يعتمدون بالأساس على الموقوع الجغرافي. المخطط بالأسفل يوضوح المناطق الملائمة للطاقة الهوائية (اللون الأزرق) و الطاقة الشمسية (اللون الأخضر). كلاهما يغطي أقل من نصف المساحة الأرضية, و أكثر من نصف سكان العالم (في اسيا) يقطنون في هذه المناطق.

‌‌
رابعا. الطاقة النووية (Nuclear Energy):
و هي تعتبر أفضل مصدر للطاقة من كل العوامل الممكنة:

  • أكبر كثافة طاقة
  • أكبر عائد إستثماري
  • صديقة للبيئة
  • تعتمد على بالأساس على إستخراج اليورانيوم, و الذي متوفر بكثرة لمئات السنين من الإستهلاك.

المشكلة الوحيدة في الطاقة النووية (وأعتقد أنها ستنخفض مع الوقت) هو الخوف النفسي من التعامل معها و الإعتماد عليها, لسببين:المشكلة الوحيدة في الطاقة النووية (وأعتقد أنها ستنخفض مع الوقت) هو الخوف النفسي من التعامل معها و الإعتماد عليها, لسببين:

  • دخول عوامل سياسية بوجود خطر تصنيع أسلحة نووية منها (مثل القضية الإيرانية)
  • حوادث التسريبات و الإنفجارات في المعامل النووية اللتي يكون عواقبها كبيرة جدا من وفيات و أضرار بيئية تمتد لسنين طويلة. و على الرغم من ندرة هذه الحوادث (99 حادث منذ 1959 حتى 2019) و هي نسبة منخفضة جدا مقارنة بالفترة الكلية و مقدار الطاقة اللذي تم إستخراجه منها.

‌‌
رأي الشخصي هو أن الطاقة النووية سيكون لها النصب الأكبر من خليط الطاقة Energy Mix ولكن ما زال طريقها طويل جدا للإعتماد عليها.

يجدر الذكر بأن تكاليف بناء المعامل النووية عالية جدا و تأخذ فترة زمنية طويلة جدا.

إذا الزبدة مما سبق:

  1. مصادر الطاقة المتجددة لها مسقبل واعد, ولكنه مستقبل بعيد المدى, أمامه الكثير من العقبات حتى يتخطى إمكانات الوقود الأحفوري

2. إزياد حاجة الأسواق الناشئة للطاقة, سيؤثر بالأساس على الطلب على الوقود الأحفوري (نفط, غاز, فحم) سواء بشكل مباشر, أو بشكل غير مباشر عن طريق زيادة الطاقة الإستيعابية والتصنيعية لمصادر الطاقة البديلة اللتي ستظل محدودة لفترة أطول بمكثير مما متصور.

في الجزء الثالث و الأخير من السلسلة, سنتحدث عن طرق الإستثمار في مجالات الطاقة بشكل عام و القطاع النفطي بشكل أخص.